ضمت بلدية زحلة مؤخرا الى أرشيفها المكتوب، محفوظات جريدة زحلة الفتاة الصادرة منذ سنة 1910.  5800 عددا، تسلمتها البلدية منذ بدء إصدارها في عهد مؤسسها شكري البخاش الى  وريثها جان بخاش،  في 69 سجل يغطي الحقبة الممتدة من سنة 1911 الى 2016، بإستثناء سنة 1915، عندما إنقطعت “زحلة الفتاة” عن الصدور في زحلة، وإنتقل صاحبها بسبب الحرب العالمية الأولى الى الولايات المتحدة الأميركية، فيما جرى التعويض عن الإفتقاد لأعداد سنة 1924، بنسخة رقمية CD أحضرت من الكونغرس الأميركي.

كما تسلمت البلدية أعداد الجريدة الممتازة التي صدرت عن الأعوام 1981 1985 و1986 بالإضافة الى 20 عدد يغطي الفترة الزمنية الممتدة من سنة 1992 الى 2017 ، وألبوم صور لمناسبات قديمة بعضها بالأسود والابيض.

يتكامل شراء هذا الأرشيف مع “النفضة” الشاملة التي بوشر بها بقسم الأرشيف، منذ إعادة تأهيل القصر البلدي، والتي ستجعل من هذا القسم، مركز أبحاث مفتوح أمام الزحليين، فور الإنتهاء من عملية إعادة الأرشفة، وتنظيم المعلومات المطلوبة في نسخ رقمية، تسهل الوصول اليها.

وبحسب رئيس بلدية زحلة معلقة وتعنايل أسعد زغيب، فإن بلدية زحلة لم تكن لتقدم على هذه الخطوة لو لم تكن واثقة من قدرتها على إدارة هذا الارشيف، والذي يبقى من ضمن إمكانيات البلدية وجهازها البشري المتوفر، خلافا لما كان يمكن أن يحصل مع أرشيفي العلامة عيسى إسكندر المعلوف، والشاعر سعيد عقل، اللذين سمعنا في زحلة إعتراضات على عدم ضم أرشيفيهما الى مقتنيات البلدية أيضا.

يضيف زغيب، لا شك ان هذه الاعتراضات تنطلق من غيرة الزحليين على مدينتهم ومخزونها الفكري والثقافي، ولكن في الواقع، لا تتوفر لدينا هيئة بجدارة المادة المقدمة من قبل معلوف وعقل الا في الجامعات. وبالتالي أهم جهة يمكن ان تدير ارشيفيهما، هي الجامعة، التي تعرف كيف تسلط الضوء على الامور المهمة، ومتى يجب ان تسلط الضوء. بينما نجد أن الزحليين قادرون اليوم على الإطلاع على هذا الارشيف متى شاؤوا. وهو ما لم يكن متاحا عندما كان لا يزال بحوزة أصحابه الاساسيين.

لماذا “زحلة الفتاة”

مع  “زحلة الفتاة” الأمر مختلف، لأن التعامل مع المادة الإخبارية أسهل بكثير،  والأرشفة ممكنة وبسهولة. في المرحلة الأولى يمكن أن تؤرشف المادة إستنادا الى الحقبة التاريخية. ويمكن لاحقا تقسيمها وتنظيمها وفقا للمواضيع، أو لأسماء الشخصيات التاريخية التي يتحدث عنها وغيرها.

وفقا للإتفاقية، بلدية زحلة صارت صاحبة الحق الوحيد بهذا الأرشيف، و”ما هو ملك للبلدية هو ملك الناس″ كما يقول زغيب، الذي يشير في المقابل الى أن شراء الأرشيف تم بعد الإستعانة بخبراء في تقييم المادة المؤرشفة، وضعوا تقريرا يتضمن أبرز الأسباب التي تجعل من أرشيف “زحلة الفتاة” مادة “لا تقيم بثمن”.

أبرز هذه الأسباب وفقا للتقرير هي الندرة والتي تشكل “اساس القيمة”. فوجود الجريدة في البلدية، وجعلها متاحة من مركزها للراغبين من الاستفادة منها، سيشكل مصدر فخر دائم للمقتني.  ويشكل وجاهة فكرية وثقافيىة، ويعطي قيمة معنوية للمؤسسة الحاضنة ، ويجعل منها مصدر المعلومة اذا رغب بها الباحثون.

وأشار التقرير الى ان قيمة “زحلة الفتاة” المعنوية تنبع من كونها جريدة مناطقية تعنى بشؤون زحلة والبقاع خصوصا ولبنان عموما، ما يجعلها مرآة لهذا المجتمع.

أما القيمة المادية للأرشيف وفقا للتقرير فيحدد من خلال الجهد الفكري الذي تحول الى منتوج تاريخي تستفيد منه النخب والاجيال.

وتحدث أيضا عن قيمة أدبية تحفظها الجريدة من خلال استعانتها بأقلام كبار أدباء لبنان من امثال جبران خليل جبران وامين الريحاني ومي زياده، إضافة الى ما تختزنه من فكر أدبي ملتصق بطريقة التحرير الصحافية التي كانت رائجة في مطلع القرن العشرين.

الى القيمة التاريخية التي تتمثل في صدورها بالتزامن مع مرحلتين شديدتي الاهمية، وهما الحكم العثماني والانتداب الفرنسي وصولا الى الاستقلال.

والقيمة الاخبارية التي تحفظ الاحداث التي مرت على زحلة ولبنان والمنطقة.  والجريدة هنا تشكل سجلا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا يوميا للأحداث. يمكن ان تشكل إفادة كبيرة لمتقصي التاريخ.

 أما القيمة البحثية تظهر من خلال صدورها المنتظم بشكل دوري منذ سنة 1910.

مصدر الخبر الوحيد منذ سنة 1911 الى 1920

وفقا لمسؤول قسم الأرشيف في البلدية، الدكتور في التاريخ حسام شمعون، فإن أهمية هذا الأرشيف هو في كونه مصدر المعلومات الوحيد عن الحقبة الممتدة من سنة  1911  الى 1920، حيث كانت زحلة الفتاة الجريدة الوحيدة التي تصدر في المدينة قبل أن تنضم اليها لاحقا وفي فترات زمنية متباعدة جريدتي الوادي والبلاد.

كان شعار الجريدة صلة الوصل بين لبنان والمهجر. وقد لعبت دورا أساسيا في ربط الافكار بين زحلة ومعقل الزحليين في البرازيل اضافة الى الولايات المتحدة الاميركية. وبالتالي فقد تضمنت معلومات فريدة تتحدث عن حركة الهجرة الواسعة من زحليين، وعن زحليين نجحوا في الاغتراب ومدوا المدينة بالاموال، التي ساهمت في ترميم الكنائس ودور العبادة، إضافة الى الدور الذي لعبه المغتربون في سقف بيوت زحلة بالقرميد.  كما تضمنت معلومات اقتصادية، يمكن من خلالها ملاحقة التطور الاقتصادي في المدينة .

إلا أن ما ميز الجريدة وفقا لشمعون، هي إفتتاحيات مؤسسها شكري البخاش حتى تاريخ وفاته سنة 1959،  والتي يصلح كل منها مقدمة لكتاب فلسفي، لما تمتع به البخاش من ثقافة واسعة، جعلته صاحب كلمة مسموعة على المستوى الوطني وفي قضايا النضال من اجل الحريات.