تزامنا مع الإعلان الرسمي يوم الخميس المقبل، عن إنطلاق مهرجانات الكرمة السياحية لسنة 2019 ، هذه محطات تاريخية رافقت مهرجانات زحلة منذ إنطلاقتها وحتى اليوم.

تعرفت زحلة الى مهرجانات الكرمة السياحية منذ سنة 1934، بدء إقامة حفلات لإنتخاب ملكات الاصطياف التي كانت تجري جميعها في اوتيل قادري الكبير، لتنضم الى المهرجانات الأدبية التي كانت قد سبقتها بدءا من عشرينيات القرن العشرين، وتتحول مع انتهاء الحرب العالمية الثانية تقليدا سنويا، بعدما حولها عميد جريدة “الفتاة” شكري بخاش والاب ايوب فلوح رئيس الكلية الشرقية حينها، الى سلسلة مهرجانات تدوم على مدى ثلاثة ايام.

اذا سنة 1934 بدأت مهرجانات الكرمة بحفل إنتخاب لملكة جمال الصيف، وقد فازت باللقب الأول حينها انجيل عزيز دواليبي.

في سنة 1935 سقطت فكرة العيد بسبب الأزمة التي مرت على الكرامين لتستبدل بحفلة إنتخاب ملكة جمال زحلة، وفازت باللقب الكسندرا الهراوي. لتتوج في الحفل نفسه ايضا الأنسة تشارنشيان ملكة للاصطياف.

سنة 1936 كانت فاتحة زحلة مع مهرجانات الزهور التي واصلت في الخمسينيات بعدما نقلت الى شهر ايلول كما كان التصور السابق لإقامة هذه المهرجانات. وراح العيد يعبر السنوات وفي كل محطة يكتسب المزيد من التألق والبهاء، وبه كان يختتم موسم السياحة والاصطياف في زحلة.

توقفت المهرجانات في زحلة طيلة الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1946، وكان عيد الهدنة من اجمل اعياد زحلة، حيث شمل برنامج الاحتفالات: التطواف بالمشاعل، اطلاق المدافع، الالعاب الرياضية، سباق الدراجات والحمير، معركة الزهور، واكبر مهرجان شعري القيت فيه القصائد والخطب الوطنية.

أما موكب الزهور في هذه السنة فقد مثل موكب تزكة العرق على سفح صنين أمام بحيرة ماء والعرق يتدفق والكبة تدق بأجرانها، واللحم المشوي تتصاعد روائحه…

انقطعت هذه المهرجانات لعدة سنوات بعد ذلك، وخصوصا في الاعوام 1948، ومنذ مطلع الخمسينيات حتى سنة 1955 لتقتصر الاحتفالات على حفل انتخاب ملكة جمال الاطفال الذي كان يجري في اوتيل قادري الكبير.

سنة 1955 كان موعد زحلة مع مؤتمر وعيد المغتربين وقد فصل عيد خميس الجسد لاول مرة عن عيد الكرمة.

تعطلت المهرجانات مجددا بسبب الانتخابات في سنة 1957 وكذلك في سنتي 1958 و1959 بسبب أحداث أمنية.

منذ سنة 1960 اتفق على تسمية زحلة في مهرجاناتها الصيفية بمدينة “الشعر والخمر” بعدما تالفت لجنة خاصة بعيد الكرمة اتفقت على ان تستمر هذه المهرجانات اسبوعا كاملا يبدأ من 8 ايلول. يتضمن افتتاح معرضا زراعيا، موكب الزهور، التطواف بالمشاعل، الالعاب النارية، الالعاب الرياضية، صيد الحمام والاطباق، عروضا للخيول والسيارات، لعبة المهماز، مباريات في التنس، حفلة راقصة ومن ثم توزيع الجوائز والميداليات.

سميت مسيرة العربات في تلك المهرجانات بمعركة الزهور لكثرة ما استخدمت من زهور في تزيين العربات. وفي وصف قدمه أحد السواح لمشهد عربات الزهور خلال الاحتفال بمهرجانات الكرمة قال حينها “لم أشاهد في حياتي أجمل من هذا العرض، فقد جعلت معركة الزهور من زحلة Nice لبنان”.وكان اسبوع المهرجانات قد تضمن امسيات شعرية للشاعرين سعيد عقل وميشال طراد وغيرهما.

خمسون الف سائح حضروا للمشاركة في مهرجانات الكرمة في سنة 1962 والتي قدرت خلالها عدد الزهرات التي استخدمت بتزيين العربات بنصف مليون زهرة، حيث سارت المواكب برعاية رئيس الجمهورية فؤاد شهاب. وقد شملت احتفالات هذه السنة ايضا افتتاح وتدشين حديقة المنشية التي سميت بحديقة ادونيس بعد اعادة تأهيلها.

وكان اجمل ما في احتفالات هذه السنة التحلق حول بركة الاجران في ساحة الليدو التي ملئت بالنبيذ الاحمر المقدم من الخمارات مجانا للزائرين.

ارتفع عدد السواح ايضا في سنة 1963 وقد تميز من بين احتفالات هذه السنة المعرض االزراعي والمواكبة التي قام بها لتحسين وإنعاش قطاع الكرمة.

غابت المهرجانات في سنة 1964 لتعود سنة 1965 بزخم اكبر وبقيت الاعياد تتجدد في كل ايلول حتى سنة 1975 ، وكانت المحطة الأبرز في هذه السنوات بسنة 1968 حيث ترافقت المهرجانات مع الحدث الاكبر الذي انتظره الزحليون وهو تدشين تمثال سيدة زحلة والبقاع.

توقفت المهرجانات بسبب الاحداث التي عصفت بلبنان، وإقتصرت في بعض السنوات على انتخاب ملكة الكرمة، لتعود في سنة 1990، حيث جرت هذه المهرجانات على مر السنوات التالية برعاية رئيس الجمهورية ابن مدينة زحلة الياس الهراوي.

توقفت المهرجانات قسريا في سنوات متعددة بعد هذه المرحلة، وخصوصا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي حرب تموز، ومع الاحداث التي رافقت أزمة سوريا وتردداتها على الداخل اللبناني وخصوصا في البقاع، لتشهد انتفاضة جديدة في السنوات الأخيرة، بعدما جرت محاولات لإقامة مهرجان دولي مواز.

إلا أن التوجه الذي بقي سائدا هو للحفاظ على المهرجانات في زحلة بمفهومها التقليدي، والذي تتضافر فيه الجهود بين البلدية والهيئات المحلية والاندية والمجتمع المحلي والمجالس الثقافية والاجتماعية، لتقديم باقة من النشاطات، التي يتجدد بعضها منذ سنوات طويلة، مثل مهرجان الشعر، وانتخاب ملكة زحلة، وعربات الزهور، وقد أضيفت اليها منذ سنوات عروضات لمواهب الاطفال في مدارس الرقص والرياضة مع إزدياد عددها في المدينة، وتوسع نشاطات بعضها للمشاركة في عروضات مسرحية، وغنائية تقدم على مسارح المدارس او في بارك جوزف طعمه سكاف البلدي، هذا البارك الذي يحتضن هذه السنة أيضا وللسنة الثانية على التوالي يوم العرق اللبناني الذي ينظم بالتزامن مع مهرجان لتذوق أطباق زحلة المدينة المبدعة بالطبخ وفقا لتصنيف شبكة الاونيسكو للمدن المبدعة، وقد صار المهرجان محطة سنوية تضاف الى برنامج مهرجانات الكرمة السياحية.