على رغم مرور أكثر من قرن على حادثة غرق الباخرة “تيتانيك” التي ابتلعتها المحيط الاطلسي في فجر 15 نيسان من سنة 1912 على بعد 700 ميل الى الشرق من هاليفاكس في كندا،  لا زالت بعض أخبار المسافرين على متنها تترك تفاعلاَ إنسانيا يجمع سكان القارات في إتجاهاتها الأربعة.

ولزحلة قصة لفتت الباحثين في أسماء ضحايا هذه الباخرة. وقد ذكرت هذه القصة في كتاب “اللبنانيون في التيتانيك” أعده الصحافي ميشال كرم وضمنه بحثا بالصور والوثائق عن أسماء اللبنانيين على متن الباخرة.

وتقول الرواية ان نقولا وزوجته صعدا الى التيتانيك من ميناء ساوثهامستون البريطاني بعدما تبلغا من ادارة شركة النجمة البيضاء للملاحة، ان السفينة التي كانت ستقلهما الى اميركا قد طرأ عليها عطل كبير، واصلاحه يستغرق وقتا ويمكنهما ركوب التيتانيك التابعة ايضا لها، حتى لا يطول انتظارهما، وكان قد تحدد موعد ابحارها في 10 نيسان ووصولها المنتظر الى نيويورك في 17 نيسان.

ووفقا للكتاب فقد حملت التيتانيك ركابا لبنانيين صعدوا اليها من ميناءي ساوثهامستون البريطاني وشيربورغ الفرنسي قاصدين الولايات المتحدة الاميركية وكندا. غير أن عددهم أثار الجدل، وبخاصة ان الكثير من الناجين الذين وصلوا الى المرفأ البريطاني، لم تدرج أسماؤهم على اللائحة الرسمية، لذلك تفاوتت الأرقام بين 85  و90 و125 و 154 و165 مهاجرا.

وكان من بين المهاجرين من مدن حردي وتحوم وعيرين وتولا وكفرعبيدا في البترون، وكفرمشكي في البقاع الغربي، وزغرتا وسرعل وكفردلاقوس في قضاء زغرتا، وفغال في جبيل، والحاكور في عكار، والشوير في المتن الشمالي، وشانيه في عاليه، وتبنين وصفد البطيخ وبنت جبيل في الجنوب، والفاكهة في بعلبك، وبيروت وزحلة.

وقد وصف هؤلاء بالمناضلين الذين لاحقهم الموت مرتين، في وطنهم حيث كانت المجاعة التي فرضتها مكيافليلية الباب العالي، وفي المحيط الاطلسي حيث كانت مأساة الباخرة العملاقة.

ووفقا للرواية كانت زحلة هي المختلفة عن ركاب جميع هذه المدن.  اذ ان اللبنانيين المسافرين على متنها كانوا جميعا، بمن فيهم الامير فارس شهاب، من ركاب الدرجة الثالثة، باستثناء الزحلاوي نقولا خليل نصرالله، فقد كان مع عروسه أدال من ركاب الدرجة الثانية وفق اللوائح الرسمية المنشورة، حيث قضى هو غرقا فيما نجت أدال.

وكان نقولا البالغ من العمر 28 سنة قاصدا مع زوجته أدال عمه ابرهيم نصرالله الذي هاجر الى سان فرانسيسكو، حيث تمكث العائلة، والتي اصبحت كنيتها ناصر لصعوبة لفظ نصرالله بالانكليزية بعد أن إنخرطت العائلة في عالم السينما.

قد تكون زحلة ضربت رقما قياسايا بين البلدات والمدن في الاعداد التي هاجرت منها، حيث تقدر أعداد المهاجرين الى الاميريكيتين بثلاثة اضعاف سكانها الحاليين.

ويصف الكتاب هجرة الزحليين في عهد العثمانيين، بأنها شبيهة بهجرة اللبنانيين الذين طالبوا بالحرية وهربوا من الاعباء المادية، ومن التمادي في التطاول على الحريات الشخصية،  فإتخذت شكلا خطيرا خلال السنوات الواقعة بين 1900 و1914 ولا سيما بعدما تعددت حوادث القتل والاعتداء على الحريات التي ذهبت ضحيتها خيرة الشباب. فاندفع اللبنانيون في هذه الاجواء المحمومة الى زوايا الارض الاربع. حيث بقيت هذه النزعة الى الهجرة، لا سيما لدى الجماعات المسيحية كما دلت لائحة ركاب التيتانيك.

أما باخرة التيتانيك التي وصفت بأنها لا تحرق ولا تغرق لا تزال ذكرياتها حاضرة اليوم حضورها يوم حصولها. كانت في رحلتها الاولى عندما دهمها جبل جليد.

وبعد ساعتين ونصف الساعة من الصدمة التي احدثت ثغرة في اسفلها، كانت الفوضى تعم الباخرة والمياه تجتاح كل شيء بسرعة شرسة، حتى هوت الى القعر وتوارت عن الانظار في الساعة الثانية عشرة والثلث فجرا.

كانت التيتانيك تحمل قوارب نجاة لا تستوعب الا لنصف الركاب، ولم يتم انقاذ سوى 712 شخصا فقط من اصل 2228 مسافرا، فيما قضى الباقون اما بردا او قتلا وكان بينهم 26  عروسا وعريسا… ومنهم نقولا نصرالله.