في 26 و 27 تموز سيستضيف بارك جوزف طعمه سكاف البلدي “يوم العرق اللبناني” الذي ينظم بالتعاون بين بلدية زحلة-معلقة وتعنايل ووزارة الزراعة، للسنة الثانية على التوالي، تزامنا مع الإحتفال بزحلة “مدينة متميزة بالأكل” في اليوم العالمي للأكل.

ليس غريبا أن تسعى المدينة لتحتضن هذا الحدث، كنشاط سنوي من ضمن مهرجانات الكرمة السياحية، لما للعرق وصناعته “وشربه” من إرتباط وثيق بالتركيبة “الإجتماعية” والإقتصادية لل”مدينة”، استرعى إهتمام الباحثين، الذين كلما توغلوا في تاريخ صناعة العرق، كلما زادت قناعاتهم بأن “أصل العرق” بمذاقه الحلو الطيب الذي نعرفه، هو من زحلة، وأن أجود أنواعه واطيبها أنتجت في هذه المدينة، ومنها إنطلقت الى مختلف المدن اللبنانية والى العالم.

يوسف المر، هو واحد ممن استرعته هذه الصناعة، وبحث عن جذورها لأكثر من 20 سنة، حتى خرج بكتاب “العرق بداية الشغف…” انتهى من طباعته مؤخرا، وسيكون حاضرا في يوم العرق اللبناني، يكشف بعض أسرار صناعة العرق، وطبيعة العلاقة التي ميزتها بمدينة زحلة.

 بحسب المر فإن الزحليين تعلموا استقطار العرق حتى قبل التاريخ الذي ذكره عيسى اسكندر المعلوف اي سنة 1860، معللا ذلك بوجود الجيش الانكشاري الموصوف بتناوله للكحول وخصوصا العرق. ولما كان الأرمن قد خافظوا على هويتهم في هذا الجيش، فقد كانوا “الواسطة” لدخول العرق الى زحلة، من دون صناعته.

تعلم الزحليون وفقا للمر صناعة العرق من الارمن، الذين تحولوا من قوة محاربة الى فئة تمتهن الممنوعات منذ سقوط القسطنطينية عام 1453،  وبالتالي فإنه يرجح ان يكون في هذه الفترة قد ظهرت صناعة العرق في الدولة العثمانية.

ولما كانت علاقات زحلة التجارية قد امتدت الى تركية مرورا بمدينة حلب،  فقد نشأت بين زحلة وحلب علاقات تجارية مهمة، نتج عنها تفاعل مع الجالية الارمنية التي شكلت عصب صناعات مدينتها، ومن ضمنها صناعة العرق. وهنا يقول المر “ما أكثر العائلات من اصل حلبي وارمني التي اتت الى زحلة، حاملة معها عاداتها ومفاهيمها”.

في زحلة كما يقول المر “دخل العرق الى بيئة حاضنة، ترعرع فيها حتى تخاله من لدنها، اشبع الزحليون والبقاعيون العرق تحسينا وتطويرا، حتى ضاهى الاصيل بجودته. ذاع صيته فأعطوه كنيتهم، وحلاوة مجالسهم اضفت عليه شرعية، ونكهة مآدبهم توجته ملكا على الاصيل، بات العرق الزحلاوي الاطيب بين المشروبات الكحولية.

فلماذا يعتبر العرق الزحلاوي مميزا…هنا سبعة مكونات يتحدث عنها المر في كتابه:

1- العنب العبيدي والذي ينمو في الشريط الغربي

يعطي كمية عصير تفوق غيره، وحلاوته اعلى من بقية الانواع، علما انه كلما زادت نسبة الحلاوة زادت كمية السبيرتو اي الكحول، وزادت كمية العرق اي زاد مستوى الربح. اضافة الى كونه يعطي نكهة افضل للعرق لأنه مهما علت نسبة حلاوته يحافظ على “شلش الحموضة”.

2- ظهور العروس في صناعة الكركي

بدلا من حية المياه او ماسورة النحاس. والعروس هي الجزء الذي يحول البخار الى سائل. وهذا يعتبره المر ثورة تكنولوجية زحلية نقلت العرق من مادة تموينية بيتية الى مادة تسويقية، وجعلته طيب المذاق وعالي الجودة.

ووجود العروس مرتبط خصوصا بالنظافة لأنها تساعد على تنظيف الكركة من الرواسب التي تلتصق بها.ومن هنا لم يستغن عن العروس في الصناعات الحديثة، وشكلت ممانعة فعلية لاستيراد التكنولوجيا الغربية، فجرى اضافتها عنصرا اساسيا في الصناعة الحديثة .

يعيد المر الفضل في هذا التطور الذي طرأ على هذه الكركة الى خليل ابراهيم نحاس وابنه ميشال،  مشيرا الى أنه سمح بنقلة نوعية في صناعة العرق، الذي صار يمكن تصديره الى الخارج بدءا من سنة 1920 وبالتالي صار الشرق الاوسط يستورد الكركات آل النحاس،  وكانت تلك الكركة السادسة في ترتيب تطور الكركات.

3- طريقة التقطير:

خليل النحاس لم يخترع فقط العروس، بل غير بطريقة تقطير العرق، وجعلها ثلاث مرات بدلا من اثنين، وهذه الطريقة اسهمت في تنقية العرق بشكل كبير من الكحول المضرة، واصبح سلسا طيبا ويعرف بالعرق البلدي المثلث الاصيل

4- استبدال اليانسون اللبناني باليانسون السوري

وتحديدا الشامي من بلدة حينة،  وهو الذي يعتبر من اهم انواع اليانسون وصار العرق يتميز بلون ساطع البياض.

5-العامل الجغرافي:

حيث اكتشف المر في كتابه، ان الفروقات المناخية تترك تأثيرا على صناعة العرق التقليدية. وخصوصا في الساحل حيث ضمرت هذه الصناعة وتراجعت الى ان توقف انتاجها، لافتا الى ان الفروقات في درجات التبخر بين زحلة التي تقع على ارتفاع الف متر والساحل تجعل العرق الزحلي يخلو كليا من الكحول المضرة

6- النظام الضريبي:

ويبدو التفسير الذي توصل اليه المر هنا مثيرا للاهتمام اذ يقول وفقا لرواية قدمها له فوزي حنا بشارة  من بلدة دير ميماس الجنوبية “ان اسعار العرق اللبناني اغلى ولكن الفلسطينيون يحبون العرق اللبناني.  فعرفت ان سعر العرق في فلسطين أرخص من اللبناني، ولدى الاستفسار تبين ان في فلسطين كانت الضريبة تحسب على الساعة، ففي كل خمارة توضع ساعة على حائط الخمارة، فيأتي المأمور يشغل الساعة وما عليك بعد ذلك سوى ان تعد الساعات لتدفع الضريبة. هذه الطريقة في تحصيل الضرائب دفعت الخمرجية الى تقوية النار للسحب، اي تقطير اكبر كمية من العرق في اقصر وقت لتخفيف نسبة الضرائب. فشعطت الطبخة..

اما النظام الضريبي في لبنان فيعتمد على تقدير كمية العصير من قبل مأمور الضرائب، والموجودة في الخمارة، ولك مطلق الحرية لشيلها خلال شهر وشهرين وسنة او سنتين، والنتيجة عرق غير مشعوط طيب ولذيذ.

7- في العادات والتقاليد

اذا كان المر يشير الى عادات كل بلد في شرب العرق، فإنه يتوقف عند أهمية  الثلج الذي اضيف الى هذا المشروب، الثلج الطبيعي اولا وثم الثلج الاصطناعي بعد ظهور التكنولوجيا. وليس هناك مشروبا كحوليا في العالم يضاف اليه الثلج الا في زحلة، فامسى كالليموناضة والبأسمة.

ترقبوا غدا مراحل تطور الكركات في زحلة… ولماذا سميت العروس بالعروس؟