عندما دخلت صناعة كركات العرق في مرحلتها السادسة بزحلة، إثر التعديلات التي أضيفت اليها إستنادا لتجارب إستخدامها، صار لل”كركة” صورة أخرى في ذهن الزحليين، إرتبطت بالتعديل الاخير الذي أضافوه عليها، وشكل واحدا من الخصوصيات التي ميزت صناعة العرق لأجيال لاحقة.

“العروس” صارت ركن أساسي من مكونات “كركة العرق بزحلة”، الى ان طوت نهائيا مرحلة تصنيعها، مع ابتكار الكركة التاسعة، وعلى اثر وفاة آخر مصنعي هذه الكركات قي المدينة عيد الشويري. علما انه في هذه المرحلة ولا سيما في سنة 1970  بدأ استيراد الكركة المركبة ذات القعرين، الفرنسية الصنع.

ظهرت العروس سنة 1920 على يد خليل ابرهيم النحاس، وهو من عائلة صغبينية بالأساس، إنتقلت الى زحلة على أثر المجاعة التي ضربت لبنان في أوائل الحرب العالمية الاولى، وأقامت بيتا وخمارة في حي مار الياس، ليمتهن خليل من بعدها صناعة النحاس، وينشئ معملا خاصا في حي الميدان الشرقي، إنتقلت شهرة الكركات التي صنعها الى الشرق الأوسط، ليحفر بتاريخ هذه الصناعة خصوصا بسبب إختراعه للعروس.

والعروس هي عبارة عن قسطل اصطواني وعامود  جهزت به الكركة، بفضلها تخلص العرق من كثير من الشوائب، وتم الحفاظ على نظافة الكركة التي تشكل عنصرا أساسيا من جودة نوعية العرق الذي إشتهرت به زحلة.

إستوحى الكرامة وفقا ليوسف المر في كتابه “العرق بداية الشغف…” من شكل هذه التجهيزات وموقعها في الخمارة ودورها في عملية التقطير،  وأعطوها أجمل وأغلى إسم في الحياة الإجتماعية، “العروس” نسبة الى العروس في يوم زفافهاـ

من حيث الشكل

 عروس “الكركي” اسطوانية الشكل، اي بالتعبير الشعبي جسم ممشوق جميل، بهي الطلعة، لا عيوب فيه كجسم العروس وقدها الممشوق.

قبع عروس “الكركي” الذي يغطي رأس العروس شبه بالطرحة

موقع زند العروس الذي يقع تحت رأسها شبه بزند العروس الممدود.

في المضمون

 عروس “الكركي” مصمودة في بئر الماء على مرتبة، اي درجة أعلى من مستوى أرض البئر تنتظر “الجلوة”، وهنا تعني نزع الاوساخ عنها. لتصبح براقة كالعروس.

وكما العروس الحقيقية مصمودة على المرتبة التي تبنى لمناسبة العرس من الخشب، أعلى من مستوى الدار، تلبس بالقماش الابيض، وتزين بالورد بانتظار “الجلوة”، والجلوة هنا تعني الاقوال التي تطلق على العروس.

عروس “الكركي” تبكي فيسيل من مزاربها عرق صاف عند “الشيل” او التقطير، كما تبكي العروس في جلوتها.

ثم تشال العروس، اي تحمل على الأكف لإنزالها عن المرتبة، كما يشال العرق الى مسكنه الجديد في الخوابي.

فأعطى الاهالي اجمل ما لديهم من استعارة لمفهوم العطاء وهو انتظار المولود الجديد. العروس وعرقها، والعروس وولدها.

بعد هذه الكركة اكتشف الخمرجية والنحاسون وفقا للمر فائدة تطويل “رقبة القبع” في جودة السبيرتو فجرى تطويرها بمزج بعض أجزائها الاوروبية مع  الكركة السادسة على الطريقة اللبنانية وكانت الكركة السابعة ، ليلغى القبع في الكركة الثامنة ويعاد زند وغطاء العروس، وتتم إستعادة هيكل الكركة السابعة في التاسعة مع إضافة الحية النحاسية والعروس معا في البئر. وقد أمنت هذه الكركة أقصى درجات التوفير بالمازوت، والوقت والتعب.

في عصرنا الحالي صمم الياس بطرس المعلوف من بلدة رياق وفقا لكتاب المر أحدث أنواع الكركات البيتية، وقد صنّعها نحاس من بلدة القلمون بعدما إنقرضت صناعة الكركات في زحلة بوفاة عيد الشويري سنة 1982.

هذه الكركة عرضت في يوم العرق اللبناني الأول الذي أقيم السنة الماضية، وقد جمعت بين التكنولوجيا الحديثة والتقنية المحلية للكركة التقليدية.

بإنتظار ما سيحمله يوم العرق اللبناني يوم 26 تموز الجاري من مستجدات هذه الصناعة أيضا