يؤرخ القصر البلدي الذي يدشنه رئيس الجمهورية في 26 تموز بعد إعادة تأهيله، لمراحل من تاريخ مدينة زحلة. وتدشينه في سنة 1888 توج واحداً من أبرز إنجازات أول “قوميسيون بلدي” تشكل في زحلة، بإلحاح من مجموعة من رجالات المدينة. ليصبح فعلياً أول دار حكومية بنيت كسراي، في وقت تمركزت “سرايات” المناطق الأخرى في قصور الأمراء.

تشير أبيات شعرية نصها الدكتور بشارة زلزل على المدخل غير الأساسي للقصر الى تاريخ إنجاز المبنى، في العام 1887، بعد خمس سنوات من العمل الشاق، حيث دشنه واصا باشا في العام 1888. وتذكر معلومات متقاطعة أن “القوميسون البلدي” أخذ بناء السراي على عاتقه، بعدما استدان مبلغاً من المال من المتصرفية، وشارك الأهالي في عملية التشييد وبقسط من النفقات.

في الضفة الجنوبية لنهر البردوني التي تعرف حالياً بـ”زحلة القديمة” بني السراي. وارتفع فوقه لاحقاً تمثال مقام سيدة زحلة، ليشكلا معاً “مشهدية مميزة” تُعرِّف بزحلة. ولأن طبيعة الأرض في هذا الطرف من الوادي كانت، كما يعرف الزحليون، معرضة للانزلاق بشكل دائم، يُروى أن أهالي المدينة أمنوا كميات من “الجرزون” (جذوع الدوالي الصلبة) وفلشوها أرضاً مع الصخور القاسية، بشكل أمن تصريف المياه قرب الأساسات، ومنع السراي من أن “يزحل” طيلة سنوات إرتفاعه.

عمرانياً، تعكس “فخامة” البناء، مرحلة اليسر التي عرفتها زحلة بعد استقبالها النازحين المسيحيين، الذين أمّوها من أنحاء سوريا تحت ضغط المضاعفات الخطيرة التي أنتجتها الحرب الروسية- العثمانية

وقد جاء بناء السراي متناسباً مع تطور العمارة الذي شهدته زحلة بعد حريقها في العام 1860، حيث سمح تدفق أموال المغتربين بإعادة بناء المدينة وفق طابع تميز بالقرميد الذي علا فوق الأسقف. وكان هناك دور في البناء الحجري لبعض المعماريين الذين جاؤوا من ضهور الشوير.

في الطابقين الارضي والاول ل “سراي زحلة القديم”  توزعت مختلف دوائر السلطة الرسمية في عهدي المتصرفية والانتداب الفرنسي، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الإستقلال. ويذكر من شهدوا مرحلة خمسينيات القرن الماضي، أن المحافظة شغلت معظم غرف الطابق الأول، إلى جانب تخصيص غرف للمحاكم التي كانت تضج أحكامها في المقر. بينما شغل السجن الطابق السفلي بشكل مؤقت. أما البلدية فكانت تشغل الغرفة المخصصة للدائرة الإدارية حالياً، وكان مكتب رئيس البلدية ملاصقاً لها، وخصصت غرفة ثالثة للدائرة الفنية والهندسية.

بعد بناء السراي الحكومي الجديد وقصر العدل في خمسينيات القرن الماضي، صار القصر المقر الرسمي للبلدية دون سواها، ولم تغادره إلا لفترة قصيرة أثناء الأحداث التي ألمت بلبنان، وبقي السجن يشغل “مؤقتا” الطابق الأرضي.

عملية التأهيل الأولى التي خضع لها القصر كانت في عهد الرئيس الياس الهراوي بتسعينيات القرن الماضي، وقد تمت بتمويل كامل من مجلس الإنماء والإعمار، وسط حرص شديد على الحفاظ على طابعه التراثي للمبنى، مع اضافة مساحات خضراء إلى محيطه. فيما عملت البلدية على إعادة تجهيز المكان وفرشه على نفقتها، هكذا، وبعد ان كان اول مجلس بلدي  “مكلف” بتلك الفترة يواصل اجتماعاته في غرفة التجارة،  عاد إلى قواعده الأولى، مستعيناً بمطران المدينة حينها اندره حداد لمباركة أول لقاء عقد في المبنى البلدي الناهض من بين الركام، ليصبح اسم المقر منذ ذلك الحين “القصر البلدي“.

 بعد ان نجح المجلس البلدي الثاني الذي ترأسه أسعد زغيب بنقل السجن من الطابق الأرضي للقصر البلدي، من خلال تقديمه هبة للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي، سمحت بإيجاد مقر بديل للسجن فيما كان يعرف سابقا بتعاونية البيض، خضع “القصر البلدي” لعلمية التأهيل التي تحتفل بها المدينة يوم الجمعة المقبل. وذلك بعد أن توسعت دوائر البلدية لتشغل كل المساحة الداخليةـ بحيث توزعت أقسامها على ثلاثة طوابق بدلا من طابقين على الشكل التالي:

في الطابق الارضي تجد  الدوائر التي هي على إحتكاك مباشر ويومي مع المواطنين. وتتوزع الغرف التي جرى تأهيلها على الشكل التالي: مكتب العلاقات العامة، الكافيتيريا، المحاسب،مكتب خدمة المواطن، مكتب امين الصندوق، قاعة زحلة،قاعة الكرمة، مكتب اللجان، مراقبو سلامة المواطن، الاجهزة الالكترونية، شرطة واستعلامات ومراقبو الاشغال.

يتوسط هذا الطابق مصعدين كهربائيين، احدهما مخصص لأصحاب الحاجات الخاصة الذين بات بإمكانهم التنقل بسهولة في ارجاء القصر. فيما وجدت البلدية إستخدامات ثقافية للباحة التي تتوسط هذه الغرف، بحيث باشرت الى إستضافة عدة نشاطات فيها منذ بداية العام الجاري.

في الطابق الأول تجد الى جانب مكتب رئيس البلدية ونائبه، الدوائر المالية والإدارية والهندسية للبلدية، قسم التحقق، وأمانة سر المجلس البلدي.

لنرتفع الى الطابق الثاني الذي جرى إستحداثه تحت قبة القرميد، والذي سيضم الى جانب قسم الأرشيف، دائرة الهندسة في المستقبل، بعد أن جرى تأهيل مكاتب تتسع لنحو 20 موظف إضافي فيها، بالتزامن مع الجهود التي تبذل مع السلطة المركزية لتحويل زحلة بلدية كبرى يمكنها ان تستقبل دوائر التنظيم المدني في مقرها، وتتخطى مشكلة الروتين الاداري الذي يؤخر تنفيذ الكثير من المخططات الموضوعة للمدينة.