خلال رعايته لمعرض “الفن التشكيلي” في “ٌقصر رزق” مساء الأحد وصف رئيس بلدية زحلة- معلقة وتعنايل أسعد زغيب هذا البيت “بالتحفة الفنية” منوها بضرورة تسليط الأضواء عليه لما له من قيمة تراثية.

وبيت “رزق” ليس وحده الذي يشكل تحفة فنية في هذا الشارع المطل على حديقة الممشية في زحلة، والذي يسمى بشارع البرازيل، فمفرحة أيضا الورش النشيطة التي بدأت منذ اوئل سنة 2016 لبيوت كانت تتداعى على هذا الشارع، بحيث قطع ترميم مبنى يعتقد انه الأقدم بين جيرانه، شوطا كبيرا، بعدما انتقلت ملكيته الى السيدة روزيت مطران، وهي سيدة زحلية تبوأت مراكز مهمة في اهم المصارف الفرنسية. ليتكامل المشهد مع “النفضة الشاملة” التي خضع لها منذ بداية سنة 2010 المبنى الذي لا يزال يعرف ب “اوتيل اميركا” بعدما انتقلت ملكيته من ورثة ابرهيم توما فرح الى ماغدا وعبدالله رزق منذ سنة 2007. ومع عمليات ترميم فردية لبيوت  في الابنية المجاورة.

كانت هذه البيوت قد نشأت في فترة زمنية متقاربة بين اواخر القرن الثامن عشر واوائل التاسع عشر، اي قبل شق بولفار المدينة الى مقاهي الوادي، لتتماهى لاحقا مع إطارها الذي إستكمله تشييد اوتيل قادري الكبير في سنة 1912، واستحداث حديقة الممشية.

لا معلومات تاريخية كافية عن نشأة هذه البيوت وأصحابها الاوئل، سوى تلك التي تتوفر من خلال الدوائر العقارية، وما يتداوله الناس عن هذه البيوت وطرق إشغالها.  وكانت ماغدا رزق قد إشترت الملكية من ورثة انطوان توما فرح، الذي كان مغتربا زحليا في البرازيل، أنهى بناء منزله في سنة 1906، وفقا للافتة منحوتة على بابه، وكان يرغب ان يستقر فيه اولاده الثلاثة عندما يعودون الى لبنان. الا ان المبنى لم يستخدم للسكن اطلاقا، بل استثمر منذ نشأته كفندق، واكتسب شهرته اولا بإسم ” اوتيل اميركا” الذي اداره في البداية مخايل العبدي والد رئيس البلدية عزيز العبدي، وكان لهذا الفندق وفقا لمحفوظات الشاعر رياض المعلوف فرعا في ساحة البرج ببيروت. ومن ثم استثمر الفندق من قبل شخص من آل طرابلسي، وانتقل استثماره لشخص من آل ساسين، قبل ان يتوقف اشغاله نهائيا، ويدخل في مرحلة النسيان لفترة طويلة.

ليس الحفاظ على ملكية هذه البيوت التراثية سهلا.  نظرا لما تتطلبه هذه البيوت من عناية مستمرة، ولما يكبده ترميمها من كلفة عالية اذا ما تداعى. علما ان هذه المباني ليست مدرجة في الجردة التاريخية للبيوت الاثرية والتي تشمل البيوت المبنية قبل سنة 1730، وان كان هناك مذكرة قديمة تعود الى ستينيات القرن الماضي تقضي بالحفاظ على خصوصية هذه المباني التراثية ومنع هدمها. .

جماليا لا يمكن تفضيل بيت على آخر في الشارع. فلكل منه خصوصيته التي تميزه عن الاخر وتجعله يتكامل معه في الوقت نفسه. على ان الاهمية الاساسية لهذه البيوت تكمن في واجهاتها الحجرية المنحوتة، وسقف القرميد، الى خصوصية تقسيم البيت وقناطره الثلاثة التي تحدد موقع “الدار”  في كل منها. وهذا نموذج عن البيت اللبناني الذي نجده يتكرر في كل البيوت التي بنيت بتلك المرحلة، وان حاول البعض تمييزها، كما هو الحال في منزل آل رزق حاليا حيث نجد قنطرة واحدة، ولكنها تحمل تحتها التقسيم نفسه.

ويعتبر المهندسون النقش المتميز لمدخل منزل ماغدا رزق، واطار الحجر الغني بزخرفته، الأجمل في هذا الشارع، بالاضافة الى شرفاته الفريدة بإمتدادها والزخرفة على نوافذها والتي تظهر من الاسفل للأعلى، وتنوع هذه الزخرفة بين طابق وآخرـ وقد أضافت ماغدا رزق جمالية الى ذلك بتحويلها العقار المجاور الى حديقة، ويتضمن مواقف للسيارات وغرفة للسائق والناطور، وهذا ما يعطي المبنى قيمة مضافة.

كان هذا العقار يستخدم  في الماضي للنشاطات الكشفية والحركات الرسولية، وقد حافظت عليه فسحة خضراء ملاصقة للمنزل، صمم بطريقة بسيطة ليبقى الوهج للمنزل. ومن هذه الحديقة، تظهر “الممشية” امتدادا طبيعيا لها، وكأن تماثيل الشعراء استوطنوا في المنزل.

إستغرق إعادة ترميم “اوتيل اميركا” ليصبح “قصر رزق” ثلاث سنوات، لأن المهندسين لم يكونوا يملكون خرائطه، وبالتالي كانت هناك صعوبة في تحديد الحيطان الحاملة.

في المقابل فإن معظم البيوت الحجرية التي بنيت في مطلع القرن العشرين كما ورد في مقابلة مع المهندس نزار قرطاس في عدد لمجلة ” الروابي” منذ سنة 2016 كانت تتألف من ثلاث واجهات حجر بسماكة 60 سنتمتر للحائط، وحائط تراب بسماكة 60 سنتمتر ايضا. تشكل هذه الجدران الغلاف الذي يرتفع في وسطه حيطان تراب بسماكة 60 سنتمتر للحائط ايضا، يحمل كل منها “الرواطات الاساسية” اي جذوع الاشجار الكبيرة، وال  poutres اي العارضات الخشبية الاصغر حجما والقدد المتراصة جنبا الى جنب، فالقصب والقش واخيرا طبقة السرك او البحص الناعم الذي يفلش  ويغلف ليشكل ارضية  الطابق الاعلى.

هذه المدرسة القديمة في البناء، والتي كانت تولي اهمية للواجهة والطرف الشمالي للبيت، إعتمدت أيضا في منزل رزق، وبالتالي كان لا بد من تغييرات هنا ليظهر البيت وحدة قائمة من كل جوانبه.

بالداخل تم توريق البيت، لخسارته الحجر الجميل الذي يستحق التظهير. ومع الحرص على الحفاظ على عقلية تقسيمه القديمة، وجدت ايضا حاجة لادخال بعض التعديلات، ومن بينها استحداث القناطر التي تسمح بتسرب الضوء بشكل اكبر الى غرفه، ولا سيما تلك التي في خلفية المنزل.

كما أن استخدام البيت كفندق لفترة طويلة، لم يسمح بإستخدام “رواطات” الخشب التي بدت قديمة جدا في المنزل ، ولا بالاستفادة الكاملة من بعض تجهيزاته القديمة، كالبلاط، الذي لم يتمكن مالكوه الجدد من انقاذ سوى بعضه، استخدم لتزيين “البحرة” الوسطى في غرفة الجلوس وغرفة السفرة، فيما استحدث بلاط صخري في معظم ارجاء البيت الاخرى. اما قياسات النوافذ فبقيت على حالها، وكذلك قاعدتها العريضة والتي تظهر عرض الحيطان الحاملة للمنزل  وتؤمن لها العمق المتعارف عليه في البيوت التراثية، وعملت على نسخ النسق نفسه في تغيير مكان الباب المطل على الحديقة الخلفية لبيتها، وانما مع تغيير في مقاساته، كما مقاسات ابواب اخرى في البيت.

 خصص الطابق الارضي في دارة رزق لغرف استقبال الزوار وغرفة السفرة والمطبخ، ليضم الطابق الاول ثلاثة غرف نوم ومطبخ ايضا، فيما ترك الطابق الثاني مقفلا بعد ترميمه، ليكون قسما مستقلا يمكن الوصول اليه بواسطة مصعد الكهربائي.