إرتضت زحلة أن تحمل  مسؤولية “قضاء” في مسألة معالجة النفايات الصلبة، ما يجعل بلديتها في “يقظة” دائمة، لإستدراك أي “إستحقاق” قبل الوصول اليه، خصوصا أن أي تقصير في وضع المخططات المستقبلية، من شأنه إغراق المدينة والقضاء في مشكلة نفايات بقيا بمنأى عنها منذ بدء تشغيل مطمر زحلة الصحي في بداية القرن الحالي وحتى يومنا هذا.

أراضينا ضيقة على المطامر

ولكن ليس سهلا أن تتأمن “الإستدامة” في “الطمر الصحي”، ببلد مثل لبنان، تعتبر فيه الأراضي الجرداء التي تصلح للمطامر “نادرة” بالاساس، وهذا ما يجعلنا كما يردد رئيس بلدية زحلة- معلقة وتعنايل أسعد زغيب منذ سنة 1998،”ملزمين بأن نحافظ على هذه الأرض، تماما كما يحافظ الأميركيون على سبيل المثال على الحيتان والنمر الابيض”. مضيفا بالتالي أنه  “علينا أن نجد طرقا بديلة عن الطمر،  تكون صديقة للبيئة، وتسمح لنا بالحفاظ على ارضنا لأطول فترة ممكنة،  بحيث لا تتعدى كمية الطمر ال 5 بالمئة كحد أقسى.”

يشرح رئيس لجنة الاشغال في بلدية زحلة المهندس طوني بو يونس، أنه منذ إنتخاب المجلس البلدي الحالي، لاحظ المجلس ورئيسه ان المطمر الصحي لزحلة وقضائها بمحاذاة مشغل الفرز،  واللذين يشكلان مثلا يحتذى به على صعيد تأمين أحد الحلول الناجعة لمشكلة النفايات، بدأ يضيق على كميات النفايات التي تصل من زحلة ومن 27 بلدة  أخرى في القضاء، وتقدر كميتها ب 300 طن يوميا.

ويكشف بو يونس عن مفاوضات وزيارات ميدانية رافق خلالها رئيس البلدية الى البلدان الأكثر تطورا بمعالجة نفاياتها، سعيا لإيجاد حلول تتناسب مع طبيعة لبنان، ومع الأنظمة والقوانين المرعية، خصوصا بعد أن تبين أن مطمر زحلة الحالي، لا يمكنه أن يعيش الى الابد، وهناك حاجة لإبتداع حلول تستبق بلوغه الى معدلات إستيعابه القسوى مستقبلا.

فعمر المطمر قد  يدوم سنوات إضافية قليلة  بعد اليوم، حتى في ظل الإجراءات التي إتخذت للتخفيف من نسبة إستهلاك الحفر الصحية، كاللجوء الى عملية تسبيخ المواد العضوية، وإستخدامها كطبقة تغطى بها العوادم، بدلا من الأتربة، ورفع نسبة فرز النفايات التي تصل الى المطمر غير مفروزة بالاساس.

زحلة ستبقى السباقة

وعليه “إذا كنا نتغنى في زحلة بأننا أول من أنشأنا مطمرا صحيا، وأن إدارتنا للنفايات هي الأفضل في لبنان، فإن بلدية زحلة لن تقبل إلا بأن تكون السباقة في تأمين المشاريع التي تحقق إستدامة بالمعالجة الصحية للنفايات مع تأمين البدائل المطلوبة في الوقت المناسب.. والبلدية ورئيسها واعون لهذه المسألة، كما يقول بو يونس، “ونحن نعمل منذ عامين لإيجاد البدائل، التي قد نكون  توصلنا الى قناعات متقدمة حول أحدها”.

فما هي الحلول المتوفرة حتى الآن؟ هنا خلاصة مكاشفة قدمها رئيس بلدية زحلة المهندس أسعد زغيب حول الافكار التي جرى ويجري التداول بها في أروقة البلدية ومع المختصين بهذا القطاع في لبنان وخارجه…

إقتراحات وعوائق

بالنسبة لإنتاج الطاقة من النفايات، والذي ليس بالضرورة أن يكون محصورا بمعامل التفكك الحراري، (التي هناك أسباب لشيطنتها )  فإنه يحتاج الى رأسمال كبير. فيما الشركات العالمية التي تعنى بمثل هذه المعالجات، ترى في لبنان بلدا عالي المخاطر، وبالتالي تشترط استرداد رأسمالها خلال اربع سنوات كحد أقسى، وذلك يعني كلفة عالية لمعالجة النفايات، ليست من ضمن إمكانيات منطقتنا الفقيرة بالأساس كما يقول رئيس البلدية.

وبالتالي مع سقوط إمكانية الإستعانة بشركات اجنبية، كان هناك إقتراحا آخر بإنشاء شركة مساهمة من مستثمرين زحليين وعموم أهالي المدينة الراغبين في المساهمة بالشركة، يكونون معتادين على التحديات والمخاطر التي يواجهها لبنان عموما، ومستعدون للتعاطي مع النفايات ومعالجتها كإستثمار إقتصادي مربح إذا أحسنت إدارته. إلا أن هذا الخيار إصطدم بالقوانين والأنظمة اللبنانية التي تشترط بيع إنتاج الكهرباء للقطاع العام حصرا، وهنا تبدو ثقة المستثمرين معدومة بقدرة الدولة على تسديد المستحقات بغير سندات الخزينة، ما يمكن أن يوقع الشركة في ديون تعيق إستمرارية الحلول المقترحة.

تصور حل

وعليه توقف البحث في هذا الإقتراح للبحث في مشروع بديل، بلغ حاليا مرحلة متقدمة من المباحثات مع شركات عالمية ذات خبرة عالية في إدارة النفايات، تعمل بشكل أساسي على تحويل النفايات الى طاقة بديلة  fuel oilفي تشغيل محركات السيارات بمقاييس أوروبية ومعايير مقبولة من قبل وزارة البيئة. وهو حل لن يكون مكلفا جدا للبلديات، وقد تكون إحدى طموحاته أيضا تحويل قسم من النفايات التي يختزنها مطمر زحلة الصحي حاليا.

المحارق ليست من ضمن خيارات البلدية والسبب..

أما فيما يتعلق بالتفكك الحراري، فيؤكد زغيب أنه ليس خيارا مطروحا من قبل المجلس البلدي الحالي، لسبب وحيد، وهو أننا كلبنانيين عموما ننزع الى إهمال مسألة أساسية في إدارة المرافق وهي الصيانة. وإذا كنا جميعا على يقين بأن النجاح عندنا قائم على أشخاص وليس على مؤسسات، فإن هذا يقلل من ثقتنا بأن  تدار هذه المحارق بالدقة ذاتها إذا تبدلت المجالس البلدية، خصوصا في مسألة صيانة الفلاتر، التي لكي يتم تغييرها على عاتق البلدية تحتاج الى توفر اعتماد، دفتر شروط عقد نفقة لتصل الى التلزيم، وهذه عملية تستغرق ما لا يقل 6 الى 8 اشهر، مما يعني أن مطلق بلدية يجب أن تكون متنبهة لمسألة تغيير الفلاتر قبل إستهلاكها كليا، وإلا وقعنا في خلل بيئي كبير قد يؤدي الى توقف عملية المعالجة وبالتالي تراكم النفايات.

خيار الفرز إلزامي ولكن…

بالنسبة لخيار الفرز من المصدر، يشرح زغيب  أن أولوية المرحلة الحالية هي للإنتهاء من المهل الضاغطة في حل مسألة البدائل عن المطمر.

وهذا لا يعني أن الفرز ليس من ضمن الخيارات المطروحة في مطلق حل نلجأ اليه. ولكن هذا برنامج  متكامل، يبدأ من المنزل، الى النقل والى تلزيم الإدارة وتوفير فصل المواد غير العضوية تماما عن النفايات العضوية. ومن هنا يقول زغيب لا يمكننا أن نقول للناس باشروا بالفرز، بدون ضمان نجاح كل مكونات هذا البرنامج. علما أنه في مدينة كبيرة كزحلة تبقى هناك صعوبات بالفرز من المصدر في كل المؤسسات الكبرى من الفنادق الى الادارات العامة والى المستشفيات وغيرها. ويبقى على البلدية فصل هذه النفايات أيضا عن النفايات الأخرى التي تصلها مفروزة من الاحياء السكنية.

يؤكد زغيب أخيرا  أنه ماض في الحديث بشفافية عن كل المسائل المتعلقة بزحلة، وخصوصا في المشاريع التي تتعلق بإنماء المدينة وإدارة مواردها، ويرى ان الناس يجب أن ترى بعينيها لا بأذنيها، لأن إطلاق الكلام غير الدقيق وإشاعته يخلق بلبلة وتشويش لا يفيد مدينتنا، بينما نحن نعلم ان الزحليين يثقون بأن ما نقوله ننفذه فعلا.