للإنتشار الزحلي في العالم، بصمات كثيرة في المدينة. فقد  نجح  الزحليون في الخارج منذ مطلع القرن العشرين، أسسوا أعمالهم، وراكموا ثرواتهم في دول الإنتشار، ولكنهم بقيوا يحلمون بالعودة الى مدينتهم، وتركوا فيها مواطئ أقدام لهم، وأبرزها تلك المنازل بقناطرها الثلاث، التي صارت بنسختها المعدلة عن “النمط الايطالي” ميزة البيت التراثي الزحلي.

هذه البيوت التي إعتمرت القرميد الاحمر، رمزا للوجاهة المكتسبة من جراء الهجرة في مختلف احياء مدينة زحلة، حققت ثورة في اسلوب البناء ونوعيته فباتت عنوانا للرخاء، بعد ان كانت بيوت زحلة مبنية من التراب والتبن.

 إلا أن فرادة البيوت التي نشأت في الشارع الذي سمي منذ سنة 1948 ب شارع البرازيل، بقيت في موقع تجمعها على خط متواز، والذي صار لاحقا شريانا اساسيا يقود الى وادي البردوني إثر إكتسابه شهرته العالمية.  وهي على رغم تميز كل منها بهندسة مختلفة، بقيت متناغمة مع بعضها ومتماهية في إطارها حتى خلال سنوات من إهمالها، ولم يخرقها سوى مبنى واحد ارتفع وسطها في بدايات سبعينيات القرن الماضي.

الإنتشار الزحلي في البرازيل

كانت البرازيل، وفقا لمنشورات في مجلة الوادي، المقصد الاول لمعظم المهاجرين الزحليين في اواخر القرن التاسع عشر، اذ بلغ عددهم نحو 20 الفا من اصل 38 الف مغترب زحلي في الخارج. وكان من طليعة المهاجرين الزحليين الى البرازيل سليم وشاهين وملحم المعلوف، وفرحات الصدي، وديب هيكل نمر. وهي بقيت لفترة طويلة مركزا كبيرا لاكبر جالية زحلية ولبنانية في العالم ولا سيما سان باولو وريو دي جانيرو.

وفي دراسة أعدها الدكتور حسام شمعون فإن تسعة أعشار اللبنانيين الذين توجهوا الى البرازيل دخلوها بعد الحرب العالمية الأولى، ولا سيما بعد عام 1921، عندما أقفلت الولايات المتحدة الأميركية أبواب الهجرة اليها، فأسس الزحالنة نادي  CLUB BERDAONI والعصبة الأندلسية، وهي مدرسة أدبية أسسها ميشال معلوف سنة 1932 في ساو باولو، ثم أدارها الشاعر شفيق المعلوف صاحب مؤلفات “عبقر”وقد كان لآل المعلوف وجود في غواتيمالا.

وكانت للجالية اللبنانية في البرازيل حينها اثنا عشر مقعدا نيابيا من أصل خمسة وسبعين، وقد استطاع هؤلاء ان يوصلوا السيد كارلوس جريصاتي الزحلي الى سدة النيابة.

شارع البرازيل

قدرت زحلة هذا الدور لمنتشريها منذ بدايات القرن الماضي. وتعبيرا عن إعتزازها بأبنائها الذين بحثوا عن طموحهم في بلدان أخرى ولا سيما البرازيل، ولكنهم بقيوا ملتصقين بمدينتهم، قررت بلدية زحلة منذ سنة 1948 أن تسمي شارع “المنتزه” في البربارة شارع البرازيل.

 نشر قرار  تسمية الشارع بحرفيته في ارشيف جريدة الوادي بعددها المؤرخ في اذار من سنة 1948 وأعادت الروابي نشره في عددها المميز سنة 2016  وفيه: “في الجلسة التي عقدتها بلدية زحلة في 20 شباط الفائت اتخذت القرار التالي: نظرا لما لأبناء مدينة زحلة – معلقة المغتربين في البرازيل من فضل عميم واياد بيضاء على مدينتهم ومن غيرة صادقة وشعور وطني اكيد يبذلونهما في كل مناسبة في السبل والمشاريع العمرانية التي تؤول الى خير الوطن اللبناني ورفع مناره. ونظرا لما لهم من المكانة الادبية والاجتماعية التي يتمتعون بها في بلاد البرازيل، هذه البلاد المضيافة التي احلتهم بين ظهرانيها كمواطنين مخلصين لها ولوطنهم الاول فأصبحوا والحال ما ذكر لكل تكريم واحترام. لذلك وتقديرا لفضل البلاد البرازيلي حكومة وشعبا على المغتربين الزحليين واعترافا بالجميل ومناداة بالعواطف النبيلة، فإن المجلس البلدي يقرر بالاجماع تسمية الشارع الممتد من مكتب ادارة جريدة زحلة الفتاة الى فندق طرابلسي بإسم شارع البرازيل.

في نيسان 1949 دشنت بلدية زحلة فعلا هذا الشارع بحضور النائب البرازيلي حينها جوزف ارماندو افونسو من ممثلي سان باولو.

حديقةِ “بيللو اوريزونتي”

ونظرا لتنامي الاغتراب الزحلي في البرازيل، إتخذت  بلدية زحلة في ايار من سنة 1968 قرارا آخر، على عهد الرئيس عزيز العبدي، ويقضي بتسمية قطعة الارض الصغيرة والتي تظهر على شكل حديقة تتوسط اوتيل قادري الكبير وحديقة الممشية  بحديقة بللو اورزونتي. وجاء في القرار الذي حمل الرقم 340 “حيث يقيم في ولاية بللو اوريزونتي البرازيل جالية من مواطنينا اللبنانيين وخاصة الزحليين، يتمتعون بمكانة محترمة وحائزين على تقدير السلطات المحلية ومحبة وحسن ضيافة الشعب البرازيلي النبيل. وازاء هذه العواطف الكريمة واقرارا بفضل حكومة وشعب بللو اوريزونتي وتوطيدا للعلاقات الطيبة التي تربط لبنان بالبرازيل تقرر تسمية الحديقة الكائنة قرب جسر قادري باسم حديقة بللو اوريزونتي.”

الا ان السقف الكائن تحت الحديقة والمؤلف من باطون كما جاء لاحقا في قرار للمجلس البلدي صادر تحت الرقم 105 ومؤرخ بتاريخ 11 شباط 1969  “سقط في النهر ويتعذر اعادة بنائه في الوقت الحاضر الا خلال فصل الصيف بحيث تجف مياه النهر”. فإستأذنت البلدية الحكومة اللبنانية بإستعمال قطع ارض اخرى في وسط المدينة على العقارات رقم 431 و368 و370 و369 ملك الدولة اللبنانية والتي تشغلها حاليا حديقة ساعة الزهور بمقابل غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة، وهي لم تكن حديقة عامة حينها، فطلبت البلدية باستعمال تلك الارض كحديقة عامة، وتركيب ساعة ناطقة فيها وتسميتها باسم حديقة بللو اوريزونتي البرازيل.

الا ان هذا القرار لم يصدق حينها فأصبح لاغيا بإنقضاء سنة 1969. وعليه بقيت تسمية “حديقة بللو اوريزونتي” تطلق على موقعها الاول عند الجسر الذي يفصل بين اوتيل قادري والممشية بعد اعادة ترميمه.

عاد النبض الى شارع البرازيل مجددا خلال السنوات الأخيرة، مع مبادرات خاصة لإعادة إحياء المباني  ال”تراثية” في هذا الشارع، وعاد المار في الشارع ليسرّح نظره فيما تميزت به هذه البيوت من واجهات تختزن الى جانب زخرفتها المبهجة، قصص زحلة وأهلها في الداخل والخارج.