تولي زحلة إهتماما خاصا لقصرها البلدي الذي بوشر ببنائه سنة 1885 في عهد واصا باشا،  ليدشنه بتاريخ 11 تشرين الأول من  عام 1888. فالمقر هو واحد من ابرز إنجازات اول”قوميسيون بلدي” تشكل بإلحاح من مجموعة من رجالات المدينة، وقد سمي آنذاك  ب”دار الحكومة”، وكان أول سراي في لبنان يبنى كمركز حكومي …

حافظ هذا المبنى على ميزته التراثية رغم الظروف الصعبة التي شهد عليها في المدينة، وبقي صامدا في موقعه على الضفة الجنوبية من نهر البردوني، والتي تعرف حاليا ب”زحلة القديمة”.

وعليه سيكون يوم  26 تموز مميزا في تاريخ هذا القصر، حيث سيرفع رئيس الجمهورية الستار عن لوحة تذكارية تؤرخ لمرحلة جديدة من عمره، بعد عملية إعادة التأهيل التي خضع لها، هي الثانية منذ جرى ترميمه للمرة الأولى في سنة 1997 ، ويطمح رئيس المجلس البلدي أسعد زغيب، أن لا يحتاج القصر البلدي بعد إنتهاء الأعمال المخطط لها إلى أي أشغال جديدة ، لمدة طويلة،  كون مبنى كالذي لدينا كما يقول “لا يجب أن يرمم كل عشرين سنة. وقد أخذنا بعين الإعتبار زيادة نفقات ترميمه، حتى نضمن إطالة عمر البنى التحتيتة والفوقية التي جهز وسيستكمل تجهيزه بها، بحيث أنه لا يفترض أن يحتاج لأي عملية ترميم جديدة قبل 50 سنة على الأقل.”

فماذا تضمنت عملية إعادة التأهيل، وكيف سيكون المظهر الخارجي النهائي لقصر زحلة البلدي مع إنتهاء الورشة كليا؟

 فيما يلي شرح رئيس البلدية أسعد زغيب:

عندما إنطلقت فكرة ترميم القصر البلدي في عهد المجلس الأسبق الذي كنت أترأسه، حرصنا من خلال الخرائط التي وضعت بالتعاون مع جامعة ألباني في نيويورك، أن نتبع في إعادة تقسيم الدوائر، مسار المعاملة البلدية التي تجعل المواطن يقصد مقرها، فكان هدفنا عمليا أكثر مما هو جمالي، بحيث أننا رتبنا توزيع الموظفين ومكاتبهم على اساس  مسار هذه المعاملة، بدءا من إستغلال المسافات في الطابق الارضي، والذي كان يشغله سجن الرجال قبل نقله الى مقره الحالي.

أدخل المجلس البلدي اللاحق تعديلات على هذه الخرائط، سعينا في بداية عهد المجلس البلدي الحالي الى إعادة تعديلها ايضا، خصوصا ان بعض المخططات التي وضعت كانت برأينا  تليق  يتجهيز متحف أكثر مما تؤمن الخدمة المطلوبة  للمواطن.

من خبرتنا السابقة، كانت هناك أمور كثيرة تؤلمنا في القصر البلدي، وأهمها أنه لم يكن متاحا لجميع الناس وخصوصا ذوي الإحتياجات الخاصة. وكمدينة حضارية يهمنا أن يكون هؤلاء قادرين على إتمام معاملتهم بأنفسهم في القصر، وحتى التوظف بالبلدية إذا كانت هناك حاجة لمؤهلاتهم، وهذا ما صار متاحا بعد الترميم،  لأننا أمنا المسارب الموازية لدرج البلدية وخصوصا للمقعدين، بالإضافة الى تجهيز المصاعد الكهربائية في الداخل، وبالتالي صار كل المواطنين متساوين في حقهم بالوصول الى البلدية وإتمام معاملاتهم.

مسألة أخرى كانت تتسبب بإزعاج كبير داخل المبنى،  وهي الصدى الذي كان ينبعث في أروقة القصر، ويصل الى المكاتب، ولذلك إستبدلنا تجهيزات قبة البلدية بعوازل تمتص الصدى، هي عبارة عن لوحات بيضاء يلاحظها الزائر في سقف المبنى، وقد أراحت هذه التجهيزات الباحة الداخلية، بحيث أنها صارت مؤهلة لإستقبال الحفلات التي تنظمها البلدية على مستوى 250 مدعوا ضمن أجواء حضارية تراثية، وقد باشرنا بذلك فعليا من خلال إستضافة عدة نشاطات موسيقية ثقافية، إضافة الى إراحة الموظفين من الضجة التي كانت تملأ مكاتبهم.

فكرتنا الأخرى كانت أن نجعل المبنى صديقا للبيئة، Green Building وقد تعاونا مع شركة مختصة في هذا المجال،  لتحقيق أبرز الشروط، ولذلك قمنا بتبديل النوافذ التي صارت حافظة للحرارة ، ألغينا “الحراق” الذي كان يستخدم للتدفئة وإستبدلناه بأنظمة حديثة للتدفئة.

وأكملنا في هذا السعي من خلال تجهيز المبنى بلوحات ال  SOLAR PANEL وحتى لو كان ذلك على حساب جمالية المبنى وذلك لمد القصر بطاقة خضراء كافية لإحتياجاته  خلال دوام العمل .

إستعداد لإستقبال دائرة التنظيم المدني

أما على صعيد المساحات التي أضيفت في البلدية فيشرح زغيب: الهدف المستقبلي  للبلدية هو أن تصبح مسؤولة عن دوائر التنظيم المدني، من خلال تحولها الى بلدية كبرى، وهو ما تبذل جهدا مع السلطة السياسية والإدارة المركزية للوصول اليه. ولكن التنظيم المدني إدارة متكاملة ستحتاج الى غرف إضافية لموظفيها، ولذلك عملنا على الإستفادة من الطابق العلوي الذي كان يحجبه القرميد سابقا، وأعدنا تأهيله مع عوازل للحرارة حتى صارت لدينا غرفا إضافية تستوعب نحو 25 موظفا جديدا.

وفي هذا القسم أيضا سعينا لتأمين مكان لائق لأرشيف البلدية الذي كان مبعثرا بشكل كبير بسبب ضيق المساحات،  وجهزنا المكاتب بالعوازل الحرارية التي تحترم المعايير المطلوبة في الحفاظ على الأرشيف من التلف، كما أمنا غرفة لتنظيف الارشيف وتصويره، وذلك تمهيدا لمكننته بشكل يسهل على المواطن كما على الموظفين الوصول الى المعلومات، إضافة الى تأمين الخزائن المصممة لإستيعاب الارشيف، والتي ستستوعب ثلاثة أضعاف كمية الأرشيف الموجودة لدينا حاليا.

كما خصصنا في هذا القسم غرفة للتدريب “قاعة البردوني” هي من ضمن غرفتين يمكن أن تستخدما لتدريب موظفينا، احدهما موجود في الطابق الارضي، “قاعة زحلة”  أو إستضافة أي نشاط للبلديات المجاورة،  ويمكن إستغلالهما لأهداف متنوعة. علما أنه في الطابق السفلي أيضا إستحدثنا “قاعة الكرمة” المجهزة  أيا لإستخدانات مختلفة.

التغيير الجذري في الخارج

التغيير الجذري سيكون في المقابل في طلة هذا القصر على المحيط. وهنا يشرح زغيب، أن ما نراه حاليا من تغييرات خارجية، لا تشكل سوى 50 بالمئة من مجمل المخططات الموضوعة للمكان، والتي يجري تلزيم مراحلها تباعا. علما أن هذه المرحلة تتضمن  أيضا تغيير خطة السير في محيط البلدية،  مع تأمين المساحات الكافية لمواقف السيارات، سواء من خلال إستحداث مبنى يتسع لنحو خمسين سيارة، او تحديد مواقع للمواقف في الخارج تتسع لنحو 40 سيارة.

وفقا للتصميم النهائي الموضوع لمحيط القصر البلدي، فإن الدرج السفلي الذي جهز حاليا، يعتبر مؤقتا حتى يتمكن المواطنون والموظفون من الوصول الى البلدية ريثما تنتهي الأعمال كليا. وعليه بدلا من هذا الدرج ستكون هناك إمتدادات لباحة كبيرة  تصل حدودها شرقا الى الطلعة التي تربط الطريق المتجهة من البلدية بالطريق المقابلة لكنيسة سيدة الزلزلة.  تتوسط هذه الباحة التي تلفها المساحات الخضراء  بركة تزيد من جمالية الموقع،  ويمكن للسيارات الإلتفاف حولها لإيصال الزوار حتى مدخل القصر، إنما من دون أن يسمح بركن السيارات في هذا الموقع، لأن المواقف ستخصص بمبنى من طابقين تحت الأرض يتسع لنحو خمسين سيارة، مجهز بمصعد كهربائي يصل الى مدخل القصر البلدي، كما أنه ستكون هناك مواقف خارجية للسيارات في الجهة الجنوبية من القصر، يستفاد منها أيضا في تأمين المواقف لقاعة التعازي التي يتم تجهيزها قرب المدافن المحاذية للبلدية.

في الجانب الخلفي أو الغربي للبلدية، ستجهز حديقة مجللة مع تراس يسمح بإستغلالها في المناسبات الخاصة بالبلدية، يقام خلف سورها درج يربط الطريق الداخلية  المؤدية الى أحياء زحلة القديمة في مرتفعاتها، بالطريق  السفلي الذي سيجري توسيعه، بعد أن تتوسع أسوار حرم القصر البلدي أيضا، بحيث تلغى الطريق المحاذية مباشرة للقصر، وتوسع الطريق السفلية بعد تأهيلها لتصبح بمستوى القصر البلدي، وبذلك تكون البلدية قد عالجت أيضا مشكلة السلامة المرورية في هذه المنطقة.